الكتابة عن الذات لمعرفة الآخر ..

الكتابة عن الذات لمعرفة الآخر

(الكتابة الابداعية كفعل تعلمي )

أنت لا تدرك ذاتك ما لم تكتبها، الكتابة هي بوابة الولادة من جديد، تجلس متأملا على حافة الكرسي تحمل القلم وتخربش روحك لتصير صفحة قراءة، تمارس الرقابة على الذات، تمسح ما تمسح، أنت لا تريد أن تنكشف هكذا ولكنك مضطر إلى الانكشاف مع ذاتك لتصير أكبر وأنضج . لتتجاوز مخاوفك عن ما يقبله ولا يقبله الآخرون لقبول الذات .

يكبل المجتمع و نظرته إلينا الكثير من أرواحنا، يمكن أن نقرأ هذا بسهولة بحركات الجسد للمعلمين والمكتبيين، في ابتعادهم عن الأطفال، وفي النبرة السلطوية التي يعاملون بها الأطفال، في تخيلهم أن هذه الكائنات الصغيرة ستكبر لتصير نسخة منهم .

حينما نجلس حول الطاولة لنكتب، نتخفف من ذواتنا، نجلس كيفما اتفق وكيفما أردنا وفي الوضعية التي تريحنا، لنعيد التعارف على ذواتنا، فقط خلال الكتابة مع المعلمين والتمارين البسيطة، يمكن أن يعود المعلمين والمكتببين أطفالا، ويمكن أن يخرجوا ما في قلوبهم من حكايا ليشاركونا بها : من هم؟ من أين جاؤوا ما هي قصتهم ؟ و لمن يرونها ؟ ما هي شقاواتهم الطفولية ؟ وأين أمضوا عطلهم الصيفية عندما كانوا صغارا ؟  انها فرصتهم ليستمع أحد ما لصوتهم يقص عن ذواتهم، الشيء الذي توقفوا عن فعله منذ سنوات طويلة، أحدهم موجود ليطبطب على مخاوفهم، وعلى رغباتهم السرية وأمنياتهم، وليشاركهم الابتسامة والمؤمرات الصغيرة، موجود للاستماع إليهم، والتعرف عليهم مرة أخرى . وهو الشيء الوحيد الذي لا تمنحه لهم المدرسة ولا المجتمع .

عندما يعيدون التعرف على ذواتهم، تبدو الأمور أوضح قليلا، يصبح بامكانهم أن يتخففوا من السلطات الشكلية التي يفرضونها حولهم وينطلقوا إلى الصف أو المكتبة مبتسمين وراغبين بالكشف عن ما عرفوه عن أنفسهم لهؤلاء الصغار، ليعيد الصغار التعرف إليهم .

تسهم الكتابة في خلق مناخ من التسامح مع الذات والرغبة بمشاركتها، والرغبة بالاقتراب من الآخر. تصبح الكتابة فعلا طبيعيا في المكتبات والمدارس و يصير عاديا أن تدخل إلى المكتبة لتجد الأطفال وقد تحلقوا حول المكتبي ليستمعوا إليه يقص عليهم، أو يستمع منهم.

إننا هنا لا نتحدث عن مواضيع الانشاء العادية، يعترض الأطفال كثيرا في تدريبات الكتابة الابداعية على ما نقوم به، لماذا نكتب قصة على لسان صخرة ما دام بامكاننا أن نكتب عن الربيع ؟ لماذا نتخيل أنفسنا هواء يزور الشجرة ؟ لماذا نكتب عن الماضي والمستقبل ويتحدثون عن الكتب المدرسية التي لا تطلب إليهم هذا التفكير العميق بالأشياء . ليس علينا أن نفكر ولهذا فنحن بخير . ولكن اللعبة تستهوي الأطفال والكبار فورا ما أن تبدأ، وتسكت الغمغمات المعترضة وتتحول إلى مطالبة الجميع بكتابة اعتراضاته على ورقة.

وتبدأ القصص بالتشكل في الهواء و الانتقال من شخص إلى آخر، و الوشوشة في أذان الأطفال ليكتبوها. و تصير سحرا يجلل الجميع . وحين نقرأ فإننا نقرأ سويا بخجل بداية ثم بحماس و الكثير من الابتسامات . ولكن أجمل ما في تدريبات الكتابة هو العلاقة الجديدة التي نبنيها مع اللغة، يكتشف الأطفال أن بامكانهم بناء علاقات مختلفة عن اللغة، علاقات قائمة على التفكير بها، و فكها كما يريدون واعادة كتابتها من جديد و هكذا فقط تصبح : انْتَبِه : انتَ به \ انتم به\ انتِ بِه . لعبة من لعبات الأطفال، وتصير : قلقاس : قل قاسٍ . قلق آس . وتنتقل اللغة من ملكية رسيمة يخاطب بها الناس بعضهم بعضا إلى ملكية هؤلاء الأطفال . فتصير عيدا ومهرجانا من الألوان والأحرف .  

2 thoughts on “الكتابة عن الذات لمعرفة الآخر ..

  1. حينما نجلس حول الطاولة لنكتب، نتخفف من ذواتنا..
    نعم.. إلى حد ما

Leave a comment